بقلم: مجدي الشوملي
جرى في جامعة دار الكلمة يوم الخميس 4 ديسمبر حفل إطلاق كتاب: " زنبقات غزة- فنانات في زمن الحرب"، وهو بمثابة توثيق متواصل مع ٢٢ فنانة تشكيليّة غزية خلال الحرب، وتسرد كل فنانة قصتها وكيف واجهت التهجير والدمار والفقدان؛ وهي لا زالت تُبدع.
د. ايناس ديب قادت المبادرة مع فريق رائع وساندتها الفنانة الغزية رنا بطراوي على تجميع الأعمال الفنية القديمة والحديثة وقصص الفنانات في كتاب واحد ليكون الشاهد الحقيقي على ابداع واخلاص الفنانات.
وهناك قيم كثيرة تستخلص من هذا النشاط مثل الصمود، والارتباط بالأرض، لكني سأتناول السياق السياسي الذي جاء فيه هذا النشاط، والحاجة إلى نشاطات مشابهة ومكمّلة.
منذ 26 شهراً وحرب الإبادة متواصلة، ويتصدى لها الفلسطينيون بأجسادهم العارية، ويساندهم في ذلك ملايين المتظاهرين في أوروبا وأمريكا وأستراليا وعدد من الدول الأسيوية وأفريقيا. وقد أدّت هذه التظاهرات إلى عزل ونبذ إسرائيل وازدياد حملات المقاطعة. ومع مشاركة الملايين في هذه التظاهرات يبحث الجمهور الغربي عن معلومات عن الشعب الفلسطيني وتاريخه وثقافته.طوال السنتين الماضيتين كانت الجماهير تهتف بالحرية لفلسطين ولوقف حرب الإبادة. وبرز حجم القتل والتدمير والظلم الذي وقع على الشعب الفلسطيني، كما برزت الجوانب الإنسانية لدى الفلسطينيين وخاصة في التعامل مع الأسرى الإسرائيليين والالتزام بالتعهدات والاتفاقيات. من الجهة الأخرى برز التوحّش في قتل المدنيين وتدمير أساسيات الحياة ومنها البنى الثقافية والتعليمية، كما برز الجانب المتوحش في معاملة الأسرى الفلسطينيين وكذلك خرق الاتفاقيات ونكران التعهدات.
اتفاق وقف الحرب كان بالنسبة للفلسطينيين بمثابة تحرير مليوني رهينة من قبضة الاحتلال. أما بالنسبة لإسرائيل فإن الهدف الحقيقي هو وقف التظاهرات العالمية. لكن التظاهرات استمرت لأن المتظاهرين عرفوا وخبروا خداع وزيف الرواية الإسرائيلية، وهم تبنّوا الرواية الفلسطينية ووضعوها في شعاراتهم: "الحرية لفلسطين" و "من النهر إلى البحر".
ملايين المتظاهرين يفتقدون المعلومات عن الشعب الفلسطيني، لقد شاركوا في التظاهرات للرد على الإبادة. لكن وقف الحرب ليس هدفا بحد ذاته بل هو محطة في الطريق نحو الحرية والاستقلال، وما نحتاجه اليوم هو نشر المعلومات المتعلقة بالثقافة والتراث والتاريخ المعاصر والتاريخ القديم والفنون التعبيرية والتشكيلية. من هنا يصبح كتاب ومعرض "زنبقات غزة" واحد من أهم الانتاجات الثقافية التي نحتاجها في المرحلة القادمة. فالكتاب والمعرض سوف يغطّي جانبا من المعلومات الناقصة والتي يحتاجها المتظاهرون، معلومات تربط الإبادة بالابداع، والدمار بالفن والتهجير بالصمود. "زنبقات غزة" تقدّم فنا تشكيلياً، خرج من بين الركام، قدّم لوحة رسمتها نساء نجَوْن من الإبادة؛ وكتبْن قصة على ضوء القذائف.
"زنابق غزة" سوف يكون فاعلاً إذا ما تم نقله إلى الخارج، حيث سيتلقفه المتظاهرون كما حدث مع فرقة بنات القدس في ايرلندا وبريطانيا وكما حدث في مباراة المنتخب الفلسطيني في الباسك وبرشلونه وكما تبنّى ممثلة فلسطين في مسابقة الجمال، واستقبل منتخب الآنسات في النروج.
بقي أن نوضح أن وسائل التواصل الاجتماعي تحتاج إلى تحويل محتويات هذا الكتاب وقصص الفنانات وحكاية اللوحات إلى منشورات مناسبة في المضمون والشكل والمدة واللغة، واعتقد أن طلاب جامعة دار الكلمة قادرون على ذلك، على الأقل بما يتعلق بإنتاجات الجامعة.
نحن بحاجة إلى نشر الأعمال الثقافية والتراثية والفنية ودعم الإنتاج السينمائي والتواصل مع الغرب لهذا الغرض. على الجاليات الفلسطينية دور كبير في ذلك.
مع ازدياد التشكيك في كافة الروايات الإسرائيلية الثقافية والعسكرية والدينية والاجتماعية والأخلاقية؛ يفوز المتحف الفلسطيني بجائزة الممارسات المتحفيّة المتميّزة الدوليّة للعام 2025 ، وفي الوقت الذي قام التلفزيون الإيرلندي باستضافة فرقة بنات القدس (معهد ادوارد سعيد الوطني للموسيقى) المكونة من 42 فنانة ومغنية لتسجيل واحدة من أغاني المعهد، نرى التظاهرات أمام قاعة أوركسترا باريس الفيلهارمونية، اعتراضًا على مشاركة القائد الموسيقي الإسرائيلي لاهف شاني في الحفل. هذا هو الفرق بين ثقافة من أجل الحرية في مواجهة ثقافة لتجميل الإبادة، وقد رفع المتظاهرون شعار “لا حفلات موسيقية لمرتكبي الإبادة الجماعية”