
يحتفل الكاثوليك بعيد ميلاد المسيح في 25 كانون الأول من كل عام، في حين تحتفل معظم الكنائس الأرثوذكسية بالمناسبة ذاتها في 7 كانون الثاني، وتحتفل الكنائس الأرمنية به في 6 كانون الثاني. فهل يختلف المسيحيون على موعد ميلاد المسيح؟
المسألة لا علاقة لها بتاريخ ميلاد المسيح الفعلي، بل بحسابات فلكية وباختلاف التقاويم التي اعتمدت لقياس الأشهر والفصول على مر العصور، منذ نشأة المسيحية الأولى.
الأكيد أن التاريخ الدقيق لميلاد يسوع غير معروف، ولا يمكن تأكيده. والحقيقة أن تاريخ العيد المحتفل به اتفق عليه على مرّ السنين لأسباب يعيدها بعض المؤرخين إلى التلاقح بين طقوس الجماعات المسيحية الأولى، والعادات الوثنية التي كانت سائدة في مناطق واسعة من الإمبراطورية الرومانية.
وكما هو معروف، لا يرد ذكر تاريخ ميلاد المسيح في أي من الأناجيل الأربعة القانونية المعتمدة من قبل الكنائس اليوم. كما أن يسوع ولد لعائلة فقيرة، وكان مجهولاً تمامًا قبل بداية رسالته، وبالتالي لم يكن من النبلاء أو الملوك الذين اهتم معاصروهم بتدوين تاريخ ولادتهم أو وفاتهم.
حيرة المؤرخين
بحسب الصحافي الفرنسي الراحل المختص بالأديان هنري تينك، تتقاطع رواية ميلاد المسيح كما ترد في إنجيل لوقا وفي إنجيل مرقس، مع حدثين تاريخيين معروفين، ولكنهما يزيدان في حيرة العلماء والمختصين حول سنة ولادته الفعلية.
يُشار في إنجيل لوقا إلى حدث تزامن مع ولادة يسوع "عندما أصدر القيصر أغسطس مرسومًا يقضي بإحصاء سكان الإمبراطورية الرومانية، حين كان كيرينيوس حاكمًا لسوريا". يشير إنجيل لوقا إلى أنّ يوسف خطيب مريم اصطحبها حبلى من الناصرة إلى بلدته الأم بيت لحم، لغرض الاكتتاب في التعداد، فولدت ابنها هناك، وذلك لتأكيد نبوءة ولادة المسيح من نسل داوود. ولكن المراجع التاريخية تشير إلى أن الإحصاء السكاني تمّ في العام السادس أو السابع للميلاد، وليس في العام صفر.
بموازاة ذلك، يشير إنجيل مرقس إلى أن هيرودوس ملك اليهوديّة أمر بقتل كل الأطفال بعمر السنتين، بعدما أخبره بعض ملوك المجوس أنّهم شهدوا ولادة "ملك جديد لليهود"، محتسبًا الوقت التقديري بين رؤيتهم لذلك الحدث، وإبلاغه به. لا يعرف المؤرّخون بوجود أي نص يوثق تلك المجزرة، بالرغم من الإشارة في عدد من المراجع إلى دموية حكم هيرودوس.
ويشير الباحث في تاريخ الأديان بيتر آرتشر إلى أنّ بعض المؤرخين يعتقدون أن المسيح ولد في الصيف، وليس في الشتاء.
إن كان العيد رمزيًا، لماذا يحتفل اليوم بميلاد المسيح في تواريخ مختلفة؟
هذه قصة أخرى، تعود لخلاف فلكي على التقويم، بدأ مع يوليوس قيصر.
اعتمد الامبراطور الروماني الشهير تقويمًا عرف بالتقويم اليولياني، في سنة 46 قبل الميلاد، أراد من خلاله ترتيب الخلل في التقويم القمري الذي كان معتمدًا في الإمبراطورية. وبحسب ناشونال جيوغرافيك، كلف يوليوس قيصر عالم فلك اسكندراني يدعى سوسيجينيس بتعديل التقويم القديم، وأصبح طول السنة الرومانية 12 شهرًا، أي 365 يومًا.
بقي التقويم اليولياني سائدًا في معظم أرجاء العالم حتى عام 1582، حين لاحظ العلماء أن عيد الميلاد لا يقع في أطول ليلة وأقصر نهار، بل وجدوا فرقاً بنحو عشرة أيام، وذلك لأن التقويم كان قد قصّر السنة بنحو 11 دقيقة. هكذا، حذف البابا غريغوريوس عشرة أيام من التقويم، وليضمن وقوع عيد الميلاد في موقعه الفلكي. واعتمد التقويم الغريغوري ولا يزال معتمداً إلى يومنا هذا.
ولكن، نظرًا للانقسام بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية عام 1054، اعتمد التاريخ الجديد لدى الكنائس الغربية، فيما رفضت الكنائس المشرقية اعتماده وبقيت على التقويم اليولياني حيث يصادف عيد الميلاد أيضًا في 25 كانون الأول. هكذا، وبعد سنوات، بات هناك فرق كبير بين تاريخي الاحتفال، وبات هناك فرق بين الاحتفالين بحسب التقويمين المختلفين نحو 13 يومًا، وبات العيد بحسب التقويم اليولياني يتزامن مع 7 كانون الثاني بحسب التقويم الغريغوري.
في عام 1923، قررّت بعض الكنائس الأرثوذكسية مراجعة التقويم اليولياني وتحديثه، وباتت تحتفل بالميلاد في 25 كانون الأول، ومنها الكنائس في اليونان وقبرص. ولكن كنائس أخرى بقيت على التقويم القديم، ومنها الكنيسة في روسيا، والكنائس القبطية في مصر التي تعتمد في حساب أعيادها على التقويم القبطي الموروث من الفراعنة والمعمول به منذ دخول المسيحية مصر.
ويعيد الأقباط ليلة 29 من شهر كيهك، بحسب تسمية الأشهر القبطية، أو في 28 منه كل أربع سنوات، لتتوافق الحسبة مع مرور تسعة أشهر كاملة منذ التبشير الملائكي لمريم العذراء والمتفق عليه أنه في 29 من شهر برمهات القبطي، و25 آذار بحسب التقويم الغريغوري.