يرى التقليد الليتورجيّ تشابهًا رمزيًّا عجيبًا بين المغارة المُظلِمة التي شهدت بداية حياة يسوع طفلًا والقبر الذي سيشهد قيامته. وتُظهِر أيقونات شرقيّة طفل المغارة ملفوفًا بقماط يشبه الكَفَن الذي سيُلفّ به، في إشارةٍ واضحة إلى أنّ الميلاد ليس حَدَثًا منفصلًا عن الفداء، بل هو بدايته المتجسِّدة.
يُقدِّم القدّيس أفرام السريانيّ في تسبحة ( الميلاد والقيامة شاهدان للرب) رؤية روحيّة فريدة تربط الميلاد بالقيامة عبر كلماتٍ شعريّةٍ عميقة، تقدّم «بطن العذراء المختوم» و«القبر المختوم» شاهدَين لعمل الربّ، كما بيَّنَ الأب نويران ناصر الدومنيكيّ في حديثه.
واستشهد بكلمات القدّيس: «الرحم كان مختومًا، والقبر كان مغلقًا، كانا متشابهَين! الطاهر في البطن، والحيّ في القبر! البطن المختوم، والقبر المختوم، شاهدان لك! البطن والجحيم يعلنان ميلادك وقيامتك!».
وشرح ناصر رؤية القدّيس بشأن «البطن والقبر المختومَين بوصفهما شاهدَين لميلاد الربّ وقيامته، شاهدَين للسماء والأرض، وكيف وَصَفهما بأنّهما مصارعان يسدّان أفواه المفترين. وشبّه أحشاء البتول والقبر المختوم ببوقَين يدويّين صارخين في آذان الشعب الأصمّ!».
لم يكتفِ أفرام بالمقاربة بين الميلاد والقيامة، بل اجتهد أيضًا في الدفاع عن بتوليّة مريم: «كان القبر الذي استودعوك فيه مختومًا، حتى يبقى الميت في أمان، والبتول أيضًا كانت أحشاؤها مختومة ولم يعرفها رجل!».
ودعا ناصر إلى التأمّل في ردّ السريانيّ على المُفتَرين: «ضد الحَبَل على أنّه من زرع إنسان، وعلى القيامة أنها من سرقة إنسان. لكنّ الأختام والعلامات تدينهم، وتؤكد أنّ الحبل والقيامة سماويّان! وقف الناس بين ميلادك وقيامتك، إنْ افتروا على ميلادك، يدينهم موتك. وإنْ قاوموا قيامتك يردّ عليهم ميلادك».
واستطرد: «بهذه اللغة اللاهوتيّة الرفيعة، يضع أفرام الميلاد والقيامة في علاقة تكامليّة، بحيث يشهد كلّ منهما للآخَر: فالميلاد يؤكّد القيامة، والقيامة تؤكّد الميلاد. وفي ضوء هذا الترابط الروحيّ، يكتسب مشهد المجوس معنى أعمق: "أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ"».
لم يرَ المجوس النجم لأنّهم علماء فلك، بل لأنّ قلوبهم كانت تسير، منفتحة، متشوِّقة إلى الله. فرؤية النجم ثمرة سعي المتشَّوِّق. هكذا يصبح الميلاد طريقًا روحيًّا يقود إلى القيامة: نورٌ يفتح العين، وسجودٌ يفتح القلب، وإيمانٌ يقود إلى الحياة.
وختم ناصر داعيًا إلى عيش المعنى العميق للميلاد، فلا يعود مجرّد احتفال بذكرى تاريخيّة، بل مسيرة دائمة نحو قيامة داخليّة تحيي القلوب وتفتح العيون لرؤية نور الخلاص ذاته ينبثق من مغارة الميلاد كما من مغارة القبر، ليبيد الظلمة ويهب الحياة للعالم.
المصدر: آسي مينا / جورجينا حبابة