Aller au contenu principal

كاهن رام الله فراس عبد ربه: الكنيسة صوت من لا صوت لهم تحت الاحتلال

ابونا

 في أرضٍ تتقاطع فيها القداسة مع الجرح المفتوح، ويُختبر فيها الإيمان يومياً تحت وطأة الاحتلال والعنف، تبقى الكنيسة الفلسطينية شاهداً حياً على الصمود والرجاء. في هذه المقابلة مع «عكس السير»، يفتح الأب فراس عبد ربه، كاهن رعية عين عريك في رام الله - فلسطين المحتلة، قلبه، مسلطًا الضوء على دور الكنيسة في زمن القهر، وتحديات الوجود المسيحي، ومعنى الكهنوت الفلسطيني، وكيف يُحتفل بالعيد في «أرض العيد» رغم الألم المستمر.

كيف تؤدي الكنيسة رسالتها الروحية في ظل العنف والاحتلال؟

الكنيسة حاضرة في كل مجالات حياة الإنسان، وتسعى اليوم، في ظل العنف اليومي، إلى الوقوف إلى جانب الضعفاء والمحتاجين، وتقديم الدعم لهم، بل وأن ترفع صوتهم لتكون صوتاً لمن لا صوت لهم. المسيحيون، كونهم أتباع يسوع المسيح، يعيشون وفق المبادئ التي أوصى بها، وفي مقدمتها مبدأ المحبة. هذه المحبة لا تقتصر على من يحبنا فحسب، بل تمتد لتشمل محبة الأعداء، أي تمني الخير لهم. والخير الحقيقي هنا هو أن يُدرك العدو حجم شر أفعاله، وأن يفتح الله عينيه على ما يرتكبه بحق الشعب الفلسطيني فيتوب عنه. وفي هذا السياق، من الضروري التمييز بين العدو كإنسان، وبين الأفعال العدائية التي يمارسها تجاه الشعب الفلسطيني.

كيف توازن بين الدعوة إلى السلام المسيحي ومتطلبات الصمود في أرض واقعة تحت القهر؟

الصمود في الأرض المقدسة يبدأ أولاً بالبقاء وعدم التخلي عن الأرض، ويتجسّد ثانياً في الشهادة للحقيقة وللإنجيل المقدس. ويتجلّى الصمود في مساعدة الآخرين على الثبات جسدياً ونفسياً لمواجهة الظلم. الفلسطينيون لا يخافون، ولا سيما من الظالم، ومن واجبنا أن نشارك العالم بأسره حقيقة ما يجري مع شعبنا.

ما أبرز التحديات التي تواجه العائلات الفلسطينية المسيحية في المدينة؟

التحديات التي تواجه المسيحيين الفلسطينيين هي ذاتها التي يواجهها الفلسطينيون المسلمون، وتشمل الحفاظ على كرامة الحياة، وحرية التنقل، ومواجهة الضغوط الاقتصادية التي يفرضها الاحتلال. كما يضاف إليها تحدي صيانة الهوية الفلسطينية في ظل محاولات طمس الهوية الوطنية والإنسانية. ورغم كون المسيحيين أقلية عددية، فإن هذا لا يقلل من حضورهم الفاعل على الأرض، ولا من الدور الذي تقوم به المؤسسات المسيحية في المجالات التعليمية والاجتماعية، بل وحتى السياسية.

ماذا يعني أن تكون كاهناً فلسطينياً اليوم؟

أن تكون كاهناً فلسطينياً يعني، قبل كل شيء، أن تكون كاهناً في الأرض المقدسة التي وُلد فيها يسوع الناصري، وعاش، وصُلِب، وقام منها. وهذا بحدّ ذاته مسؤولية عظيمة. كما يعني الانتماء إلى شعبٍ مجروح، صاحب تاريخ عريق وحضور ممتد في العالم، ولا سيما في العالم العربي. أفتخر بكوني كاهناً فلسطينياً من أرض المخلّص، وأعتبر أن هذا الانتماء يحمّلني مسؤولية مضاعفة.

كيف تنظرون إلى ما تتعرض له القدس من تهويد وتضييق على الوجود المسيحي؟

تهويد القدس ليس مسألة طارئة، بل تحدٍّ قديم يواجهه المسيحيون والمسلمون على حدّ سواء. وهو يشكّل خطراً وجودياً، ومحاولة لطمس الهوية الفلسطينية. وتعمل الكنائس، ولا سيما عبر الكرسي الرسولي، على مواجهة هذا التحدي من خلال الضغط من أجل الحفاظ على الحقوق التاريخية المكتسبة، وصون الطابع التعددي للقدس، المسيحي والإسلامي واليهودي. وأودّ التشديد هنا على أن المشكلة ليست مع اليهود كأفراد أو كديانة، بل مع فرض هوية صهيونية واحدة على مدينةٍ قامت تاريخياً على التعددية والعيش المشترك، كمدينة القدس.

كيف تصف العيد في «أرض العيد»؟

يأتي العيد هذا العام بملامح فرح خجولة، في ظل عامين مثقلين بالإبادة في غزة. الناس منهكون، لكن قوة الحياة تبقى أقوى من الموت، ويجب أن تنتصر الحياة دائمًا. ومن هذا المنطلق، يحتفل الفلسطينيون، مسيحيين ومسلمين، بالأعياد الميلادية بوصفها أعيادًا للنور والرجاء. فالفلسطينيون لا يحتفلون بالموت، بل بالحياة، على عكس ما يريده العدو لهم. كما نؤكد أن ذكر الشهداء والصلاة لأجلهم لا يتناقض مع التمسك بالحياة، بل يحمّل الأحياء مسؤولية الاستمرار في المسيرة، وعدم السماح لأحد بسلبهم حقهم في الحياة. فالأعياد الدينية هي إعلان واضح بأن هذا الشعب يريد أن يعيش، وأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة.

هل من ذكرى محددة لك في القدس يوم الميلاد؟

انا فراس المولود في بيت جالا قرب بيت لحم، عشت طفولتي ومراهقتي وبداية حياتي الكهنوتية في مدينة المهد. طقوس الميلاد في بيت لحم تحمل طابعاً فريداً، إذ يُحتفل بالسر في المكان الذي حدثت فيه الحقيقة، ما يسمح بإضافة كلمة «هنا» إلى الصلوات، وهو أمر لا يصح إلا في الأرض المقدسة. هذا الاحتفال هو رباعي الأبعاد: جسدي، وروحي، ولاهوتي، وميثولوجي. تبقى هذه الاحتفالات في ذاكرتي تجسيداً حياً للمسيح، ومع كل عام اشعر أني اعود طفلاً عاش قسوة الاحتلال، لكنه تمسّك بإيمان كبير.

المصدر: عكس السير