Skip to main content

الكرسي الرسول في الأمم المتحدة: "الفقر هو التحدّي الأكبر عالمياً وموجبٌ لا بديل عنه للتنمية المستدامة"

الفقر

في يوم الأغذية العالمي وخلال مناقشة مشتركة للجنة الأمم المتحدة في نيويورك المخصصة للقضاء على الفقر وللتنمية الزراعية وللأمن الغذائي والتغذية، تحدّث رئيس الأساقفة غابرييل كاتشيا، المراقب الدائم للكرسي الرسول لدى الأمم المتحدة، في سلسلة من المتطلبات الأساسية للتنمية المستدامة ولمكافحة الفقر والجوع. وشدّد على الالتزام الأخلاقي لكسر حلقة الفقر المفرغة التي تعتبر "إهانة للكرامة البشرية"، مشيراً الى ضرورة تحديد الأسباب الهيكليّة ومعالجتها للقضاء على الفقر والجوع.

رحّب المراقب الدائم للكرسي الرسول لدى الأمم المتحدة في نيويورك، رئيس الأساقفة غابرييل كاتشيا، بالمناقشات المخصصة للقضاء على الفقر، مشيراً الى أن هذا اللقاء مهمّاً جدّاً للتأكيد على أن "الفقر هو التحدّي الأكبر عالمياً وموجبٌ لا بديل عنه للتنمية المستدامة". ونوّه الى مرور عقدٍ على تبنّي خطة التنمية المستدامة لعام 2030 والتي قام المجتمع الدولي من خلالها بالتعهّد بالقضاء على الفقر في شتّى أشكاله وفي كل مكان، ومع ذلك، لا يزال الفقر والجوع "يوبئان عالمنا". وأضاف المراقب الدائم للكرسي الرسول أن هذا تناقضٌ مزعجٌ، فعلى الرغم من مرور عقدٍ من التكنولوجيا والتقدّم الاقتصادي، لا يزال أكثر من ثمانمائة مليون شخص يعيشون في فقر مدقع، ويعاني واحد من كل اثني عشر شخصًا من الجوع.
وأضاف رئيس الأساقفة كاتشيا أنه على الرغم من طبيعة هذه الإحصاءات الصادمة، إلا أنه من المهم الاعتراف بأنها مجرّد أرقام "ولن تعكس أبداً عمق المعاناة التي يسببها الفقر والجوع للأفراد وأسرهم والجماعات بأكملها"، وتابع أن الفقر والجوع ليسا مجرّد ظروفٍ اقتصادية تُقاس بالإحصاءات، لأنهما يمثّلان أولاً إهانةً فادحة لكرامة الإنسان التي وهبها إياه الله، فهما انتهاكٌ لحقوق الإنسان الأساسية، ولا سيما إنتهاكٌ لحقّه في الحياة، وهما فشل المجتمع الدولي.
وذكّر رئيس الأساقفة كاتشيا بكلمة البابا لاون الرابع عشر في الإرشاد الرسولي الحديث الذي حذّر فيها بنبرة من الإلحاح "يجب احترام كرامة كل إنسان بدأً من اليوم وليس الغد، ويجب على حالة الفقر الشديد التي يعاني منها جميع الذين حُرموا من هذه الكرامة، أن تثقل ضمائرنا". وأضاف كاتشيا مؤكّداً على ضرورة ترسيخ الجهود للقضاء على الفقر والجوع ولحماية الكرامة الإنسانية والسعي لتحقيق التنمية البشرية المتكاملة للجميع.
وأضاف كاتشيا أن الوفد البابوي يشدد على إعتبار الفقر أمرٌ حتمي، فهو نتيجة أسباب هيكلية يجب تحديدها ومعالجتها من أجل القضاء عليها، ويتطلب ذلك التعاون والتنسيق الدولي والتضامن العالمي وتدابير قابلة للتنفيذ لخلق الظروف التي تمكّن الأشخاص من الازدهار في كل جانب من جوانب الحياة. وأضاف أن مجالات العمل الرئيسية واضحة وتتضمن الاستثمار في التعليم الجيّد وخلق فرص عمل لائقة وإنشاء أنظمة حماية اجتماعية شاملة، فمجالات كمثل هذه تعزز الرفاه الاقتصادي والتنمية المتكاملة للإنسان، ولكن الوضوح في الحلول المطروحة أمام تباينٍ صارخ مع "غياب الإرادة السياسية". وهذا الفشل هو الأكثر وضوحاً في سوء التوزيع المأساوي للموارد العالمية. وفي هذا الصدد، ذكّر رئيس الأساقف كاتشيا بكلمة البابا لاون الرابع عشر الذي أعرب فيها عن قلقه إزاء "تحويل الموارد المالية والتقنيات المبتكرة من القضاء على الفقر والجوع في العالم إلى تصنيع الأسلحة والاتجار بها"، وأضاف كاتشيا أنّه "وعلى الرغم من وجود الأموال اللازمة للقضاء على الفقر والجوع، إلا أن هناك تحويلاً متزايداً لهذه الأموال نحو "أدوات الموت" بدلاً من أدوات التنمية المتكاملة للإنسان".
وأشار المراقب الدائم للكرسي الرسول إلى أن هذا الواقع يكشف عن مفارقة مؤلمة، فالموارد التي ينبغي استخدامها للتغذية والتعليم والشفاء تُسبب بدلاً من ذلك المزيد من الألم والمعاناة. وهذا التلاعب بالأولويات لا يُطيل معاناة من يعيشون في فقرٍ فحسب، بل يُؤجج أيضاً الصراع وعدم الاستقرار. وأنهى كلمته مؤكداً على أن القضاء على الفقر والجوع ليس مجرد طموحٌ مرغوبٌ فيه، بل هو التزام أخلاقي يجب الوفاء به، ولا يمكن تحقيق هذا الالتزام الأخلاقي إلا من خلال تنفيذ تدابير ملموسة تضمن أن يصار إلى إعادة توجيه الالتزامات والسياسات والأولويات من أجل وضع الإنسان في صميم جميع الأنشطة.

المصدر: الفاتيكان نيوز