
حلب - تحتفل الكنيسة في الأول من سبتمبر/أيلول (غدًا) بعيد مار سمعان العمودي. قديس ارتبط اسمه بالكنيسة التي بنيت حول عموده النسكي في إحدى قمم جبل «ليلون» (شمالي غرب حلب)، ضمن ما يُعرف بقرى الكتلة الكلسية المنتشرة في المثلث الواقع بين أنطاكيا شمالًا وحلب شرقًا وأفاميا جنوبًا.
تقدِّم معالم تلك المنطقة نموذجًا فريدًا من العصرين الروماني والبيزنطي سواء في عمارتها المدنية أم الدينية. وقد استطاع العلماء الغربيون منذ القرن التاسع عشر اكتشاف آثارها والتماس أهميتها بسبب عدم العبث بها، وهجرة أهلها المكثّفة بين القرنين السابع والعاشر الميلادييّن، فسُمِّيت المدن والقرى المنسية أو الميتة.
بعد سنوات من الانقطاع بسبب الحرب، تمكّن الطبيب نبيل أنطاكي، أحد مؤسسي برنامج «المريمي الأزرق»، والمهتم بالتراث السوري المسيحي من العودة إلى هذه المواقع. ويروي:
«منذ أكثر من أربعين سنة بدأتُ وزوجتي ليلى موصللي والأخ المريمي جورج سبع زيارة هذه القرى الأثرية، مستندين إلى دراسات الآباء الفرنسيسكان إنياسيو بِنيا وباسكال كاستلانا وروموالدو فرنانديز الذين أحصوا نحو 890 أثرًا مسيحيًّا في قرابة 290 قرية منسية، ومنها كنائس بازيليكية وأبراج نساك وأعمدة وأديار وغيرها».ويضيف: «كنا نصوّر المعالم الأثرية للمنطقة ونشرح عنها للأخويات الكنسية في سوريا. وبعد أكثر من ألف عام من انقطاع الصلاة فيها كنا أول من بادر إلى إقامة القداديس في كنائسها الأثرية، ونظّمنا رتبة الصليب فيها 15 سنة متتالية… لكن مع اندلاع الحرب انقطعت الزيارات. وأخيرًا، بعد التغيير السياسي في البلاد، أعدنا نحن الثلاثة الرحلة مع خمسة آخرين، منطلقين من حلب نحو القرى والكنائس الآتية: الشيخ سليمان، والمشبك، ودارة عزة، ودير سمعان، وبرج حيدر، وكالوتا، وكيمار، وبراد حيث ضريح مار مارون».
ويتابع أنطاكي: «في الشيخ سليمان، ثمّة ثلاث كنائس وما زال النقش المهم باللغتين السريانية واليونانية على إحداها والمؤرخ عام 451: "يا مريم العذراء أمّ الله احمي سرجيوس البناء"، لتكون من أقدم الشواهد على لقب "أمّ الله" بعد مجمع أفسس. أما المشبك، فتتميز بكنيستها التي كانت محجًّا لقدماء الحجاج المسيحيين، والتي تحافظ منذ نحو 1500 سنة على بنيانها».
بالنسبة إلى كنيسة مار سمعان العمودي، يكشف أنطاكي اختفاء ما تبقى من عمود القديس قبل الحرب وهو حجر بطول متر ونصف المتر تقريبًا (طوله الأساسي نحو 16 مترًا)، ورميت قاعدته على بعد نحو 50 مترًا من موقعها الأصلي. أما أرضية الكنيسة فصُبَّت أجزاء منها بالخرسانة لتُستخدم معسكر تدريب، وقد رُسمت على جدران الكنيسة الشرقية أهداف للرماية. ومع ذلك، يرى أنطاكي أنّ الكنيسة قابلة للترميم بسرعة.
ويضيف: «في جميع القرى التي زرناها لم تُسجَّل أضرار مباشرة بالمعالم المسيحية (عدا كنيسة سمعان)، لكنّ العمران بات يقترب منها بشكل مقلق كما في براد حيث تلاصق الأبنية الحديثة كنيسة مار مارون».
ويختتم أنطاكي أنّ الطريق شكّل لهم مفاجأة: «لم نصادف سوى حاجز واحد عند مخرج حلب ولم يكلمنا أحد أو يطلب منا نقودًا. وطوال الرحلة لم يُسأل أيٌّ منا عن دينه أو طائفته، ولم تُلزم النساء ارتداء الحجاب».
المصدر: آسي مينا / سهيل لاوند