تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأب برنارد بوجي: تاريخنا لا يُمحى… ومعاناة شعبنا تحتاج إلى عدالة حقيقية

الأب برنارد بوجي رئيس المعهد الإكليريكي في بيت جالا

ترجمة: نبض الحياة عن الفاتيكان نيوز

"يذكّرنا التاريخ أن الصراع لم يبدأ في 7 أكتوبر 2023. دون مواجهة التاريخ العميق وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، سيظل السلام أمراً بعيد المنال"، هذا ما أكده الأب برنارد بوجي رئيس المعهد الإكليريكي في بيت جالا التابع للبطريركية اللاتينية في القدس في مقابلة مع وسائل الإعلام الفاتيكانية، تعليقاً على الاتفاق الذي تم التوصل إليه برعاية الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس.

س: ما هو رد فعلكم في المعهد الإكليريكي على إعلان الاتفاق؟

قال الأب بوجي: "كانت ردة فعلنا الأولى يوم الاثنين فرحة، لكنها تحولت سريعاً إلى امتنان متواضع وأمل حذر. رحبنا بالإعلان كبداية، وليس كنهاية. كما أكدت البطريركية اللاتينية، إن هذه خطوة أولى ضرورية لوقف الهجمات على غزة ولإطلاق سراح الرهائن والسجناء. لكن التاريخ يذكّرنا أن الصراع لم يبدأ في أكتوبر 2023".

وأضاف: "السلام الحقيقي والدائم يحتاج أكثر من مجرد وقف إطلاق النار. يتطلب إعادة بناء الأخوة عبر المغفرة وقيادة سياسية ودينية جديدة قادرة على كسر الأنماط القديمة. الجروح عميقة، والثقة قد تكسرت".

وأشار إلى دعوة البابا فرنسيس: "الجميع يخسرون في الحرب. الحوار، وإطلاق سراح السجناء، والوصول الإنساني هي السبيل لمستقبل أفضل".

وأكد رئيس المعهد: "كمجتمع المعهد، هذه الرسالة تلامسنا مباشرة. نعيش في القدس وعلينا أن نكون شهوداً هنا، وليس بطريقة مجردة. صلواتنا ودراساتنا وعملنا الرعوي كلها مبنية على قناعة أن للإيمان مهمة عامة ومصالحة".

وأضاف: "هناك علامات أمل: صمود المجتمع المسيحي في غزة، الذي رغم المعاناة الهائلة، يواصل الحلم بإعادة بناء المدارس لأبنائه وتقديم المساعدة لأكبر عدد ممكن من الناس. كذلك استجابت الجهات والجمعيات الكاثوليكية بسرعة، مثل مؤتمر الأساقفة الإيطالي، للمساهمة في إنشاء مستشفى لخدمة المصابين والمحتاجين للرعاية الصحية. فور وقف إطلاق النار، تعود الحياة عبر الممرات الإنسانية وجهود الإغاثة، وهذه ليست مبادرات رمزية؛ إنها بذور مصالحة، وإشارات على أن جسد المسيح يرفض أن تكون للكراهية الكلمة الأخيرة".

س: ما هو أثر الحرب على تكوين الطلبة اللاهوتيين وكيف يمكن معالجة الجروح التي خلفها الصراع؟

أوضح الأب بوجي أن الحرب "أثرت على طلابنا اللاهوتيين بطرق واضحة وخفية على حد سواء. عمليًا، أدت قيود السفر وإغلاق السفارات إلى تعقيد مهامهم الرعوية وتأخير حصولهم على التأشيرات. يضطر بعض الطلاب إلى السفر إلى قبرص للحصول على التأشيرة نظرًا لإغلاق السفارة في الأردن منذ بداية الحرب. هذه التحديات اللوجستية حقيقية، لكنها تحولت أيضًا إلى فرصة لبناء الصمود. حتى الكهنة القادمين للتدريس في المعهد لا يحصلون على تأشيرات".

وأضاف: "ورغم هذه السياسات الجائرة وصعوبة وصول الطلاب إلى القدس، تبقى القدس جزءًا منا، ونحن جزء منها ومن هذه الأرض. هذا هو عزمنا. روحيًا، تمحو الحرب الأوهام؛ عندما تصبح الحياة هشة، يتلاشى كل ما هو ثانوي. وكما أقول دائمًا للطلاب اللاهوتيين، في الأوقات الصعبة يلجأ الناس إلى الله، ونحن أيضًا، وفي هذه اللحظات يتطهر الإيمان ويتجلى بشكل أوضح".

وأشار إلى أن ردّ المعهد كان تكثيف التكوين بدلاً من التراجع: "عززنا الدورات حول العقيدة الاجتماعية الكاثوليكية – الكرامة الإنسانية، الصالح العام، والسلام – لمساعدة كهنة المستقبل على التحدث بعمق عن معاناة شعبهم. كما ندرّب الإكليريكيين والكهنة والراهبات على تقديم الرعاية الرعوية والاهتمام المدروس بالصدمات الناجمة عن النزاعات. نعمل على تعميق الصلاة الجماعية ومرافقة المتضررين بشكل مباشر أو غير مباشر من العنف".

وأكد: "طريق الكنيسة نحو الشفاء يمر بمزيج من العدالة والرحمة. أكد الكاردينال بيتسابالا أن إعادة الإعمار ستستغرق وقتًا، وتتطلب قيادة متجددة وروح الأخوة. ندوب الحرب لن تختفي بمجرد توقف القنابل، فهي تترك علامة لا تُمحى في ذاكرتنا الجماعية. ومع ذلك، حتى في هذه الظروف، تعمل النعمة: في الظلام لا يختفي نور الإيمان، بل يصبح أكثر وضوحًا وضرورة".

س: ما هي ردود الفعل المحلية على التطورات الأخيرة للصراع في بيت جالا، وكيف تُهيَّأ الأرضية لتعزيز السلام داخل الرعية والمعهد اللاهوتي؟

أشار الأب بوجي إلى أن بيت جالا، موطن المعهد الإكليريكي، بلدة ذات أغلبية مسيحية قرب بيت لحم، تعكس ردود الفعل المحلية موقف الكنيسة: امتنانًا لتوقف الأعمال العدائية، وواقعية واضحة تجاه الطريق الطويل الذي ينتظرنا، لا سيما في ظل الاحتلال والعنف المستمر.

وقال: "ظلت حياة رعيتنا نابضة بالحياة. قبل ثلاث سنوات، قبيل الحرب، أطلقنا دورات تكوين روحي للعلمانيين، وكانت الاستجابة ملحوظة. الناس متعطشون للتكوين، لإيمان يتصل بالحياة الواقعية. وفي تعليمنا الديني، نركز على المغفرة، والبحث عن الحقيقة حتى في ظل قتامة الوضع السياسي، وإعادة بناء الثقة داخل المجتمع".

وتابع: "هنا، تحديدًا، تتجسد الشهادة في القدس وأرضنا. عيش الإنجيل ليس كملجأ من التاريخ، بل كنور يضيء تعقيداته ويكشف جوانبه المظلمة". وأضاف أن الكاردينال بيتسابالا قال: "الرجاء ابن الإيمان"، مؤكدًا أن هذا ليس تصنّعًا شعريًا، بل استراتيجية رعوية. وعندما يسود الخوف والريبة، يكون الرد الدائم الوحيد هو العودة إلى مصدر الإيمان.

وأوضح الأب بوجي: "المجتمع يعزز هذا الإيمان من خلال الشفاعة الطقسية: القربان المقدس، صلاة الفرض، والسجود المطوّل من أجل السلام؛ والتمييز المستند إلى الكتاب المقدس والمرافقة الروحية التي تواجه الألم بصدق وتحوّله بالمحبة والحق؛ وأعمال الرحمة الملموسة، لأن الإيمان يجب أن يتجسّد. الصلاة ليست سلبية، بل محرّك للعمل الأخلاقي، تكبح اليأس وتمنح الإكليريكيين القوة للوقوف إلى جانب شعبهم. كل صلاة تتحول إلى شهادة".

وأضاف الأب بوجي: "نحن مدعوون للشهادة في القدس، حيث التقى الصليب والقيامة. وإذا تعلّم طلابنا القيام بذلك هنا، وسط الريبة والخوف، فسيحملون هذه الشهادة إلى أي مكان ترسلهم إليه الكنيسة".

س: كيف يدعم المجتمع اللاهوتي ضحايا الصراع؟

أشار الأب بوجي إلى أن الرسالة الأساسية للمعهد هي التكوين الكهنوتي، لكن التكوين من دون محبة لا قيمة له. وأضاف أن الشعور بالعجز في بداية الحرب كان إغراءً حقيقيًا، إلا أننا رفضنا الاستسلام.

وقال: "جمعتُ الطلاب وأخذتهم إلى دار أيتام محلية، وقضينا فترة ما بعد الظهر بأكملها مع الأطفال: نلعب ونستمع إليهم ونساعدهم على استعادة فرحهم. كانت لفتة صغيرة، لكنها شهادة واعية".

وختم الأب بوغي بالقول: "علاقتنا بغزة علاقة قرب، روحية وجسدية، لأنها ليست بعيدة. كنت هناك مع البطريرك قبل أربع سنوات، وهذه الذكرى تُشكلني. نصلي كل يوم من أجل إخوتنا وأخواتنا في غزة، ونساهم بمواردنا المتواضعة، ونبقى على تواصل. هذه طريقتنا في المشاركة في الرسالة الإنسانية الأوسع للكنيسة. كل لفتة، مهما كانت صغيرة، يمكن أن تتحول إلى علامة على الشراكة التي تتحدى منطق الحرب".